تعز اليوم
نافذة على تعز

جمهورية “المُرشد” وخصومها في تعز

بشرى المقطري - تعز اليوم:

خلافاً لسلطات الأمر الواقع في شمال اليمن وجنوبه، لم تنشأ سلطة حزب التجمع اليمني للإصلاح في مدينة تعز، نقيضاً سياسياً لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، بل نشأت تحت مظلتها وتغذّت على ضعفها، بحيث امتلكت في الأخير أدواتها السياسية والعسكرية، بما في ذلك إمكاناتها، ووظفتها لصالحها، حتى انتقلت، في السنوات الأخيرة، من سلطة ظل إلى سلطةٍ حزبيةٍ مهيمنة، فبعد سيطرته شبه المطلقة على مؤسسة الجيش التابعة للرئيس هادي والجهاز الأمني في المناطق المحرّرة في تعز، احتكر حزب الإصلاح أدوات القوة، بحيث نجح في تهميش الأحزاب السياسية، سواءً المنضوية تحت مظلة السلطة الشرعية، كالتنظيم الوحدوي الناصري والحزب الاشتراكي اليمني، أو المناوئة لها، كالمؤتمر الشعبي العام، جناح الرئيس السابق علي عبد الله صالح، مقابل تثبيته استقرار جبهات القتال مع مقاتلي جماعة الحوثي، بحيث لا تؤدّي إلى تغيير موازين القوى السياسية في مدينة تعز، وذلك بعد إزاحة منافسه الديني، جماعة أبو العباس. ومع هيمنة “الإصلاح” على معظم مؤسسات الدولة في المناطق المحرّرة في مدينة تعز، وتقييده سلطة المحافظ، فإنه نجح في حماية سلطته من خلال تقديم نفسه ممثلاً حصرياً للسلطة الشرعية، وإجبار القوى السياسية على الرضوخ لذلك، وكذلك الضغط على الرئيس هادي، بوصفه حليفاً يدافع عن شرعيته ضد القوة المنافسة له في ملفاتٍ سياسية أخرى، وأهمها قيادة المعارك العسكرية ضد قوات المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، إلا أن سياسة حزب الإصلاح، في المجمل، وكذلك تعاطيه مع القوى السياسية في مدينة تعز قضيا على أي مشترك سياسي، يمكن البناء عليه، لتطبيع الأوضاع في المدينة، بحيث حوّل الجميع خصوماً.

لا يحتاج كسب خصوم جدد مهارة استثنائية، يكفي فرض إرادة الغلبة على الآخر وقمعه وتجريمه تحت شعارات طنانة، لكن هذا يعكس أزمة الطرف المتغلب، وكذلك بداية انحداره ثم سقوطه، ومع خطورة السياسية الإماراتية العدائية في اليمن حيال حزب الإصلاح، بما في ذلك انعكاسها على القوى المحلية المصطفّة معها، كالمؤتمر الشعبي والمجلس الانتقالي الجنوبي، وجيوب من القوميين، فإن ذلك لا يعفي حزب الإصلاح من المسؤولية الكاملة في تأزيم الأوضاع السياسية، وتحويل تعز إلى مربع للتجاذبات الإقليمية، بين داعميه الإقليمين وداعمي خصومه، بما في ذلك التعاطي مع المدينة ساحة نفوذ مغلقة له، بحيث انتهج سياسة خوض معارك كسر عظم ضد خصومه. كما أن تصعيد العميد عبده فرحان سالم، مستشار محور تعز، بوصفه سلطة عليا، على حساب الجناح السياسي العقلاني في الحزب، أزّم علاقة حزب الإصلاح مع القوى السياسية في المدينة، بما في ذلك إحلاله عناصر تربوية في الجيش، ذات ولاء عقائدي، بحيث أفسدت المؤسسة العسكرية وأحدثت مشكلات عدّة. ومن جهة أخرى، شكلت إدارة حزب الإصلاح الأجهزة الأمنية في مدينة تعز مشكلة أخرى، إذ فشل في تطبيع الأوضاع الأمنية وتثبيت الاستقرار، وأصبح أداؤه ومنظومته الأمنية جزءاً من المشكلة الأمنية المزمنة في مدينة تعز، كما صدّر عصاباتٍ مسلحة، كجماعة غزوان المخلافي وجماعة عُذر الشرعبي، والذين هم جنود في ألوية تابعة له باعتبارهم أداة لترويع المواطنين. ومن جهة أخرى، انعكست مراكز النفوذ القبلية في حزب الإصلاح على الساحة السياسية في مدينة تعز، بحيث كرّست عصوبيات مناطقية وقروية مضادّة، ففي مقابل مديرية مخلاف ومديرية شرعب التي ينتمي لها مشايخ بارزون من حزب الإصلاح، احتمت القوى المناوئة للإصلاح في منطقتي الحُجرية وصَبِر، باعتبارهما عصبتين قرويتين مضادّتين له، ما عمّق الصراعات المناطقية والجهوية داخل المدينة. كذلك طغت ازدواجية “الإصلاح” بوصفه سلطة أمر واقع وبين تبنّيه قناع المعارضة على إدارته المناطق المحرّرة في مدينة تعز، حيث نتجت عن ذلك اختلالات إدارية وأمنية، بما في ذلك مصادرة المجال السياسي لأي قوى تعارض أجندته، فيما استمر حزب الإصلاح في إدارة المناطق المحرّرة في مدينة تعز بالعنف من خلال إطلاق أذرعه المليشاوية والتنكيل بالمواطنين.

إلى ذلك، تحوّلت مدينة التربة إلى بؤرة لصراع حزب الإصلاح ضد خصومه، بهدف حسم واحدية السلطة السياسية والعسكرية في مدينة تعز، إذ أصبح اللواء 35 مدرّع عائقاً في طريق استكمال حزب الإصلاح سلطته، وذلك لتركيبته العسكرية المناوئة له، فضلاً عن شعبية العميد عدنان الحمادي، مؤسس اللواء، كما أن المناطق التي يشرف عليها اللواء 35 شكّلت تحدّياً حقيقياً لحزب الإصلاح الذي وجد نفسه محاصراً في قلب المدينة، مع هامش ضيق في مدينة التربة والحجرية، حيث ظلت هذه المناطق عملياً خارج السلطة الرسمية لحزب الإصلاح، إذ لا يمتلك فيها قاعدة اجتماعية مؤثّرة، مقابل تركّز شعبية الأحزاب اليسارية والقومية، وكذلك تنامي مجتمع النازحين من أسر مقاتلي العميد طارق صالح، وبعض المشايخ المحسوبين على حزب المؤتمر، جناح صالح، ومع محاولة حزب الإصلاح تقييد حركة اللواء 35 ومنازعته سلطته في تلك المناطق، من خلال إنشاء اللواء الرابع مشاة جبلي، خارج سلطة الرئيس هادي، وكذلك معسكر يتبع القيادي الإصلاحي، الشيخ حمود المخلافي في منطقة يفرس، بما في ذلك تسليح مجاميع قبلية موالية له، للتغلغل في مدينة التربة وريف الحجرية، فإن هذه المناطق حافظت على تماسكها، بوصفها قاعدة اجتماعية للواء 35 مدرع ومسرح عملياته، فيما سهّل اغتيال العميد عدنان الحمادي، في نوفمبر الماضي، اتخاذ “الإصلاح” خطوات تنفيذية لتغيير المعادلة السياسية والعسكرية في مدينة التربة، على الرغم من أن اغتيال الحمادي ضرب شعبية الحزب، لشبهة ضلوع عناصر موالية له بالاغتيال، إلا أن “الإصلاح” حرص على ضمان رأس اللواء 35 مدرع من خلال تولي قيادة عسكرية موالية له، ومن ثم تفتيته بإزاحة الكتائب والجنود المناهضين لسلطته، وإحلال عناصر موالية له في اللواء، وتجريف القوى السياسية الملتفة حوله، بما يضمن تأمين منطقته في مواجهة قوات العميد طارق صالح في مدينة المخا، وكذلك الضغط سياسياً وعسكرياً على سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة عدن.

لا يمكن فصل اللجنة الأمنية، سواء بتركيبتها السياسية أو بأدائها الأمني طوال الحرب، عن أجهزة حزب الإصلاح الأخرى، بحيث أصبحت ذراعه الأمني غير المباشر لإطاحة خصومه، بما في ذلك منحه غطاءً سياسياً للتحرك وشرعنة معاركه، فبعد أكثر من شهر على المعارك بين القوات التابعة لحزب الإصلاح وقوات اللواء “”35 مدرع، مكنت اللجنة الأمنية حزب الإصلاح من اقتحام مدينة التربة، تحت مبرّر رفض بعض كتائب اللواء “35” مدرع، تعيين العميد “عبد الرحمن الشمساني” خلفاً للعميد “عدنان الحمادي”، إذ قدم الإصلاح نفسه بوصفه الطرف الذي يمثل الدولة وينفذ قرارات الرئيس “هادي”، مقابل توصيف القيادات العسكرية الرافضة للشمساني بالمتمرّدين، وبالتالي نزع الشرعية عن كتائب اللواء تمهيداً لاستهدافها، وفيما نجح حزب الإصلاح في فرض العميد الشمساني قائداً للواء 35 مدرع، وكذلك ملاحقة القيادات العسكرية المناوئة له، نتجت عنها أعمال عنف مروّعة، ربما أبشعها خطف الدكتور أصيل، نجل قائد عمليات اللواء، العقيد عبد الحكيم الجبزي، من منزله وإعدامه والتمثيل بجثته، بما في ذلك اقتحام منازل قيادات عسكرية، منهم قائد مقاومة الحجرية، فؤاد الشدادي، وكذلك اعتقال عشرات من العسكريين، ومطاردة النشطاء، ورافقت ذلك حملة إعلامية، شرعنت عملية استهداف جنود اللواء جسدياً ومعنوياً باعتبارهم متمرّدين، فضلاً عن عسكرة مدينة التربة التي ظلت آمنة طوال سنوات الحرب، وتغذية الصراعات المناطقية والقروية.

في حسابات الربح، تمكّن حزب الإصلاح من حسم السلطة لصالحه في مدينة التربة، وتنصيب قيادة عسكرية موالية له في اللواء 35 مدرّع، وكذلك القضاء على آخر بؤر عسكرية مناوئة له، وكذلك تحقيق مكاسب اقتصادية بإشرافه على الطريق الرئيس مع مدينة عدن، فضلاً عن ضرب خصومه من اليساريين والقوميين من قيادة اللواء 35 وتشتيتهم، بما في ذلك ما يعتقد أنها بؤر تابعة لمؤتمر صالح، وكذلك تصدير الصراع بينه وبين قوات العميد طارق صالح، كضرورة عسكرية لحماية سلطته في تعز، وإنْ كانت المواجهة العسكرية بينهما مستبعدةً في الوقت الحالي، وكذلك التلويح بالقوة ضد قوات المجلس الانتقالي في مدينة عدن، إلا أن حزب الإصلاح خسر كثيراً من خوض معارك التربة، فمن جهة تحرّك خارج تحالف الأحزاب التي ظلت توفر له حماية من الاستهداف المباشر، محلياً وإقليمياً، ما يجعله اليوم عرضةً للاستهداف من خصومه، بما في ذلك تعريض أعضائه وكوادره للخطر. ومن جهة ثانية، فإن تكريس “الإصلاح” غلبته السياسية والعسكرية على القوى السياسية الأخرى سيجعل من مدينة تعز ساحة دائمة لصراع المتنافسين. ومن جهة ثالثة، أثبت، بإدارته معركة التربة، التي خلّفت ضحايا، أنه لا يختلف عن القوى المليشاوية الأخرى في تنكيلها بخصومها، فيما منح خصومه خياراً واحداً، هو التكتل ضده، الأمر الذي قد يدفع الصراع في مدينة تعز إلى مستوياتٍ عنفية خطيرة، بما في ذلك تخليق دورات انتقام.

قد يعجبك ايضا